هذا ما منعني عن التوبه والاستقامه
كم من الظلام المنسوج ، والأشواك المغروسة والعقبات
المنصوبة في طريق
الاستقامة يكون مرد أمرها إلى تصورات خاطئة حجبت
النور وحالت دون الهداية،وقد
قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره ..ولن يتصور المرء أمراَ حتى يلج عالمه ويشاهد
معالمه فإليك بعض التصورات الخاطئة وردها.
هذا مامنعني عن التوبة (1)
من التصورات الخاطئة
: الاعتقاد بأن
الاستقامة تقييد للحرية والانطلاق ولتبديد هذا التصور يكفيأن تعلم أولاً أن الحرية ليست هي أن
تفعل أي شيء تريد متى ما أردت أو كيفماشئت..هذه ليست حرية ، بل تمرد وانفلات ..أنا وأنت وهو وهي
عبيد لله ، والعبد يتصرف بحرية في مجال الحرية المتاح له ولا يجوز له الخروج على
أمر ربه
..قالتعالى : [ وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهمالخيرة من أمرهم ] ومعصية الله ضلال وليست حرية قال تعالى: [ ومن
يعص اللهورسوله فقد ضل
ضلالا مبينا ]..إذن ففعل المعصية غير وارد أصلاً في مفهومالحرية بل هي من الضلال ..إذن .. فالزم
أمر الله واجتنب محارمه تكن ممتثلاًلربك.. وفي فسحة من أمرك.
هذا مامنعني عنالتوبة
(2)
وقد وصلتالتصورات
الخاطئة بالبعض
: مقولة : دعني
استمتع بعمري قبل أن أتخذ قرار الهدايةوكأن الاستقامة تحول بينه وبين الاستمتاع باللذائذ ! ومادرى أن ضالته في الاستمتاع تتحقق في
الهداية التي فر منها !! قال اللهتعالى: [ من عمل
صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ]..قالأهل العلم حياة طيبة في ( الدنيا – القبر
– الآخرة ( حياة طيبة تكون فيمراحل حياة
الإنسان الثلاث فأي حياة طيبة تريد بعد هذا ؟! وفي المقابل.. قال الله تعالى [ ومن
أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامةأعمى ] فأي حياة بربك تُستلذ والضنك يحوطها والعمى مآلها ..قال
بعض من وجدالسعادة والانشراح
النفسي مقولة ما أعذبها تنم عما وصل إليه من سعادة غامرةوطيب عيش رغيد ..قال : " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما
نحن فيه منالنعيم لجالدونا
عليه بالسيوف"
هذا مامنعني عنالتوبة (3)
ومن التصوراتالخاطئة
: أن الاستقامة وحدة وانطواء على النفس وحرمان مخالطة
الناس وهذا تصور خطأكل الخطأ فلم يأت
الدين بهذا بل أن الدين قد حث المسلم على أمور عديدة لايدركها إلا بالاختلاط مع الناس فصلة الرحم ، والأمر بالمعروف
والنهي عنالمنكر ، وإكرام
الجار ، وإفشاء السلام ، وعيادة المريض ، وتشييع الميت .... وغير ذلك لا تكون إلا بمخالطة
الناس في مجتمعاتهم وكذلك ترك المحرماتمثل الظلم والغيبة والكذب والغش..لا يكون إلا في مجتمعات الناس
..قال صلىالله عليه وسلم "
المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لايخالطهم ولا يصبر على أذاهم . رواه
الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
.
هذا ما منعنيعن التوبة (4)
ومن التصوراتالخاطئة
: تصور أهل الصلاح
بأنهم أناس بسطاء محدودي الفكر ! فيحمله هذا التصور علىالزهد في اتباع طريقهم هكذا أملى له الشيطان وسولت له نفسه ! وربما
كانالبعض يعرف الحق
لكنها مجرد اتهامات باطلة وتبريرات زائفة ليحسنوا صورةأباطيلهم القبيحة ..وعلى كل ؛ هذا ليس جديداً في عالم البشرية
بل قاله أناسقبل آلاف السنين .
قال الله تعالى في جواب قوم نوح عليه السلام لمادعاهم نوح للحق [ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي
الرأي ] سورةهود آية 11..فانظر إلى قولهم (
بادي الرأي ( لأتباع نوح الرسول الكريم عليهالسلام بعد وصفهم بالأراذل أي " السفلة " فسبحان
الله !!! كيف وصفوا عبادالله الأتقياء بما
هم أولى به وأهله ، وهكذا هي موازين أهل الضلال مقلوبةمتنكسة
.
وليس جديداً رميهم لأهل الحق بالنقائص والسخرية منهم !! قال الله تعالى :
" إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَالَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْيَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا
انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْفَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء
لَضَالُّونَ (32
( وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) سورة المطففين .
لكن الله لم يبارك لأهل الضلال طريقتهم بل عاقبهمونكل بهم ..وكان الفوز حليفاً لأهل الحق والدين قال الله تعالى " فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمنوا من الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَىالْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَل ْثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا
كَانُوايَفْعَلُونَ"
سورة المطففين..لنعلم أن الحق هو ما ارتضاه الله من الدينالقويم والتزام شرعه الحكيم .
هذا مامنعنيعن التوبة (5)
ومن التصوراتالخاطئة
: تصور [ الالتزام
صعب ]ينظر البعض للشهوات واللذائذ المحرمة فيرى أنهامحببة إلى النفس وسهلة عليها ... ويهمل الجانب الآخر وهو الأهم
وهو مايترتب على هذه
المحرمات . !! ولا شك أن الصبر عن المحرمات هو الأسهل لأن بهسعادة الدنيا ونعيم الآخرة هب أن
شخصاً ليس له علاج إلا الكي ... فهل يصبرعلى حرارة الكي ساعة ، ثم يرتاح فيما بعد ، أم يظل رهين آلام
هذا المرض ماتبقى له من حياة ؟!
إن العذاب إذا حل بأحد فاعلم..أنه سيقاسي من العذابأضعاف ما تلذذه ، بل أضعافاً كثيرة ...
بل سينسى كل نعيم مر به ! قال صلىالله عليه وسلم "
يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ فيجهنم صبغة ثم يقال له يا ابن آدم هل
رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقوللا والله يا رب ... " فأين ذهبت تلك اللذائذ ؟!
لقد تلاشت بغمسة واحدة فقط
في جهنم !قال صلى الله عليه وسلم ( في الحديث نفسه ) " .. ويؤتى بأشد الناس
بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقالله يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله
يا رب ما مربى بؤس قط ولا
رأيت شدة قط . " صحيح - صحيح الجامعوالنظر في العواقب هو عين العقل والحكمة ... فلايقدم العاقل على أمر إلا وينظر في عاقبته ، بل يتأمل كثيراً
وقد يستعينبغيره قبل أن يقدم
عليه هذا في الأمور الدنيوية الفانية بما فيها..فكيفبأمور الآخرة التي هي خير وأبقى ..ثم سل من سار على طريق الاستقامة هل
هو صعب ؟! بل أنظر إلى حالهم وسعادتهم وطيب نفوسهم ..ستجد حالهم يغني عن مقالهم .
هذا مامنعنيعن التوبة (6)
ومن التصوراتالخاطئة
: عدم السعي في بذل أسباب الاستقامة فقد تجد من يقول ( الهداية
من الله ) و
( الله الهادي) و ( الله ما أراد أن يهديني) ويستدل بقوله تعالى " إنك
لاتهدي من أحببت
ولكن الله يهدي من يشاء " ونحن نعلم أن الله هو الهاديوالهداية من الله لكن قف معي لحظات !!! أليس الله هو
الرازق ؟! أليس الرزقمن الله ؟! فلماذا
تحرص على العمل والوظيفة وتجتهد في الحصول عليها ، وتصبروتتحمل المشاق في تطلب الرزق والمعيشة ..لماذا لا تجلس في بيتك
وتقول
( الله الرازق ) ؟ أليس ( الرازق ) هو ( الهادي ) ؟!
لو جلست في بيتك تنتظر الرزق يأتيك دون بذل الأسبابلقال لناس عنك مجنوناً ..فكيف تنتظر
الهداية - وهي الأهم - دون بذل أسبابها؟! ثم إن الاستدلال بقوله تعالى " إنك لا تهدي من أحببت ولكن
الله يهدي منيشاء " على
ترك بذل أسباب الهداية استدلال لم يحالفك الصواب فيه ..لأنالهداية نوعان : هداية توفيق ، وهداية
دلالة وإرشاد فهداية التوفيق هيالمقصودة في الآية
: وهي قذف الهداية في قلب الإنسان . وهذه ليست لأحد إلاالله . فلا يستطيع أحد أن يقذف الهداية في قلب أحد إلا الله
تبارك وتعالى
.
لكن النوع الآخر من الهداية مستطاع ، والذي هو (هداية الدلالة والإرشاد) ..ولذلك قال
الله تعالى في حق الرسول صلى اللهعليه وسلم " وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " فانظر كيفأثبت الله عز وجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاد . وهداية
الدلالةوالإرشاد سبيل
الأنبياء ومن سار على طريقتهم ..وكذلك قوله تعالى " ولكل قومهاد " فهي هداية دلالة وإرشاد
فالله تبارك وتعالى لم ينف هداية الإرشاد عنالأنبياء وأتباعهم ممن قام بهداية الناس ودعوتهم ..وهذا من بذل
السبب فيهداية الناس..بل
أن المرء مطالب بإنقاذ نفسه ، وتطلب الهداية والسعي لها ..قال الله تعالى في الحديث القدسي "
فاستهدوني أهدكم " رواه مسلم
.
ووعد تبارك وتعالى بالهداية لمن بذل أسبابها قالتعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " وطب
نفساً بقول الله تعالى فيالحديث القدسي "
... ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إليذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " صحيح
الجامع
.
هذا مامنعنيعن التوبة (7 )
ومن التصورات الخاطئة
: عدم سلوك طريق الاستقامة خوف الانتكاسةفيختار عدم البدء
من الأساسهذا التصور الشيطاني الغريب لا يقبله العقل السليم لكنه للأسف
موجودحسناً ... سأتكلم بنفس منطقك ..إذا استقمتَ فهناكاحتمال أنك سوف تنتكس فتخسر القضية لكن هناك احتمال آخر أيضاً
؛ وهو أنكربما تثبت على دين
الله..لكن لو أنك من الأصل لم تلتزم فأنك ستكون خسرانبدون احتمال آخر ..ثم كيف تحكم على شيء لم تجربه ؟ ثم لو أنك
تركت طريقالهداية ... فهل
تتركه لخطأ فيه
... أم لخطأ فيك ؟لو أنك أردت أن تشتري سيارة فهل تُخرج الفكرة منرأسك لاحتمال أنها ربما تعطلت عليك ؟! غريب هذا المنطق.. بل
ولنفرض ذلك
..هذا لا يمنع أن تشتريها وتهتم بها ولو تعطلت عليك أصلحتها ..إذن الأمرأمرك.. والخلل منك فقم على نفسك وأصلح
شأنك..وفقني الله وإياك لكل طاعةوخيرهذا مامنعنيعن التوبة (8)
ومن التصورات الخاطئة رفع شعار : جربنا وفشلنا
أحسنتَ إن بدأت.. لكن..لماذا تقهقرت ورجعت ؟! هذايرجع لأسباب عديدة ، والناس تختلف في هذا وسأذكر هنا عدة أسباب..فساعدنيعلى نفسك واجمع عليك شتات قلبك وناد
على عزائم جأشك فإن رأيت خللاً فضع يدكعليه فإنه مكمن الداء..ثم بادر بإصلاحه ..وبإجاباتك على هذه الأسئلة
يتحددالزلل ويعالج
الخلل إن شاء الله فقل لي يا عزيزي : - هل كانت الهداية - التي سرت على طريقها - من أجل الله ؟
- هل أقبلت على التوبة.. وأنت تحمل قلباًملأه الندم وعصره الأسى على ما مضى ؟ -
هل أقبلت على الله بعزيمة جادة نحوالتغير ؟ - هل
صدقت في توبتك ... فهجرت المنكرات ولم تلتفت إليها وأقبلتعلى الطاعات تنهل منها ؟- هل اعتزلت أصحاب الماضيواستبدلت بهم أخياراً ؟- هل قطعت صلتك بما يذكرك
ويربطك بالمعاصي من أدوات وأجهزة ؟ وأماكن كنتترتادها ؟ وقنوات ؟ ومواقع ؟ - هل وضعت لنفسك برنامجاً مع كتاب
الله ؟وسماع المحاضرات ؟
وقراءة الكتب النافعة ؟ وزيارة الصالحين ؟ والاستزادة منالطاعات بشكل عام ؟يا اخى/ اختاه... لابد أن يكون
التغير شاملاً فتبتعد عن كل ما يعيدك للماضي لابد أن تحيط بك بيئة نظيفة أنت تساهم
في بنائها.
يا اخى/ اختاه.
هل سمعتبقصة الرجل التائب قاتل المائة الذي
قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلمخبره هل رأيت كيف أرشده العالم إلى تغيير بيئته وأخبره بأن
أرضه أرض سوءفأرشده إلى أن
يذهب إلى أرضٍ أهلها صالحون ليعبد الله معهم .
يا اخى/ اختاه..
شجرة الهداية
تحتاج إلى بيئة نقية لتنمو وتكبر وتزدهر .
وفقني الله وإياكم لطريق
الهدى وثبتنا عليه حتى نلقاه.. آمين